الموضوع الرئيسى

كنيستى ... روح وحياة

كنيستى ... روح وحياة

على جميع المشتركين أداء امتحان الموضوع الدراسى الأساسى online حسب الجدول المعلن (وهو إجبارى على المشتركين فى جميع المسابقات)

ونحن نستقبل عام 2020 نشكر الله من أجل عمله فى مهرجان الكرازة المرقسية، والذى نسعد بإنتشاره فى كنائسنا القبطية بمصر والمهجر، فقد تم ترجمة مسابقاته إلى تسع لغات.. وقد اجتمعت اللجنة المركزية واختارت شعار مهرجان 2020 بعنوان: "كنيستى.. روح وحياة".. وهو مكون من ثلاث محاور:

أولاً : كنيستى : أ- القبطية ب- الأرثوذكسية.
ثانيًا : روح : عمل الروح القدس فى الكنيسة.
ثالثًا : حياة : أ- حياتى الخاصة. ب- خدمة الأخرين.

أولاً: كنيســــتى

أ- القبطيـــة
الهوية الكنسية القبطية نقصد بها ملامح "الكنيسة القبطية الأرثوذكسية"، ذات التاريخ المجيد والعريق. فكلمة "قبط" هى نفسها كلمة "Egypt"، وهى أصلاً كلمة هيروغليفية "هاكبتاح"، أى أرض الإله الفرعونى "بتاح".. وصارت فى اليونانية "إيجبتون"، وصرنا ننطقها "القبط"..

وكنيستنا القبطية الأرثوذكسية كنيسة وطنية على مر العصور، والأقباط يحبون بلدهم ويدافعون عنها دائمًا.. ولذلك يجب علينا التمسك بالهوية القبطية:

1- أنا مصرى : سليل الفراعنة.. بناة الأهرام، مخترعى الورق "Papyrus"، والطب "Medicine"، والكيمياء "Rem nkemi" (ابن الأرض السمراء), عرفنا التوحيد قبل الكثيرين (أيام أخناتون)، أصحاب كتاب الموتى، والحكمة الخالدة، والفلاح الفصيح، بل أن عيد الميلاد "الكريسماس" هى كلمة قبطية أخذها عنا العالم كله.
2- أنا قبطى : ابن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.. ابن القديسين والشهداء:

 كنيسة اللاهوتيين : أثناسيوس وديسقورس وكيرلس.
 كنيسة الرهبنة : الأنبا أنطونيوس والأنبا مكاريوس والأنبا شنوده والأنبا باخوميوس.
 كنيسة الشهداء : الكنيسة المسيحية الوحيدة التى لها، بجانب التقويم الميلادى (م)، تقويم الشهداء (ش) من كثرة ما قدمت من شهداء عبر تاريخها الطويل، ولا تزال تقدم حتى فى عصرنا الحالى.
 كنيسة الكرازة : التى كرزت فى أنحاء المسكونة. والتاريخ يذكر القديس موريس والقديسة فيرينا حيث لهما فى أوربا مؤسسات وأديرة ومدن كثيرة بأسمائهما.. وما تزال تنتشر بكنائسها وأساقفتها وكهنتها وشعبها القبطى فى كل قارات العالم بدون استثناء. ففى عصر الطائرات والفضائيات ووسائل الاتصال والتواصل، نستطيع أن نحس بأننا جسد واحد, والكنيسة واحدة، طقوسها واحدة، وعقائدها واحدة, وتاريخها واحد.

وها مهرجان الكرازة المرقسية.. يجعلنا نعيش هذه الوحدة: نردد شعار واحد وألحان واحدة.. إلخ.

ب- الأرثوذكســـية

تتسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بعلامات ومواصفات هامة، تنفرد بها عن أى كيان آخر، وهذه السمات نسمعها على فم الشماس - فى القداس الإلهى - حينما ينادينا قائلاً: "صلوا من أجل سلامة الواحدة، الوحيدة، المقدسة، الجامعة، الرسولية، كنيسة الله، الأرثوذكسية" وهى:

1- الواحدة : فليس هناك سوى كنيسة واحدة، سواء، منذ الأزل فى فكر الله، أو خلال المسار البشرى كله، أو حتى فى الخلود.. فجسد المسيح واحد.. وعروس المسيح واحدة.
2- الوحيدة : بمعنى "الفريدة فى نوعها"، فليس هناك كيان آخر مشابه لها، فهى الكيان المقدس، الذى فيه يجتمع الرب مع الناس، والزمن مع الأبدية، والأرض مع السماء، والشعب مع الشعوب.
3- المقدسة : إذ أن روح الله القدوس هو سر قداسة أعضائها، فهو الذى يدشن كل عضو فى هذا الجسد، ويسكن فيه، جاعلاً منه هيكلاً مقدسًا ومخصصًا للرب،
لهذا تتسم الكنيسة بقداسة الكيان والفكر والوجدان والسلوك.. وتصير ضميرًا حيًا للعالم فى كل مكان وزمان.
4- الجامعة : فإن كان العهد القديم قد ركز على شعب واحد هو بنى إسرائيل،
إلا أن العهد الجديد اتسع ليشمل العالم كله، من كل الأمم، والشعوب، والقبائل، والألسنة "لأَنَّهُ هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ.." (يو 16:3)، وهو "يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ" (1تى 4:2).
5- الرسولية : فالكنيسة مبنية "عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ" (أف 20:2). فالكنيسة امتداد للآباء الرسل، سواء من جهة حياتهم الشخصية، أو إيمانهم أو تعاليمهم أو كرازتهم.. لهذا يسام الآباء الأساقفة بعد قراءة سفر أعمال الرسل (الإبركسيس).. علامة امتداد للحياة الرسولية فى الكنيسة.
6- كنيسة الله : فالكنيسة ليست مِلكًا لأحد، ولا حتى لنفسها، بل هى مِلك خالص لله، الذى أحبها، وافتداها بدمه، واقتناها عروسًا مطهرة لشخصه.. "خَطَبْتُكُمْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلْمَسِيحِ" (2كو2:11)، لهذا تهتف العروس فى النشيد قائلة: "أَنَا لِحَبِيبِى وَحَبِيبِى لِى" (نش 3:6).
7- الأرثوذكسية : فالكنيسة مستقيمة الرأى والمعتقد والفكر (أرثو = مستقيم)، كما أن حياتها تمجيد الله فى الزمن والأبدية، بفكر مستقيم، وحياة أمينة. فلا انفصام بين العقيدة والحياة، ولا بين العقل والقلب والسلوك اليومى.

لذلك تعالوا أيها الأحباء.. نقترب فى خشوع وإتضاع..
لنتعرف بالأكثر على مفهوم الكنيسة..

من هى الكنيسة ؟

هى: "جماعة المؤمنين بالمسيح، المجتمعين فى بيت الله المدشن، بقيادة الإكليروس، وحضور الملائكة والقديسين، حول جسد الرب ودمه الأقدسين".

1- جماعة المؤمنين : فكلمة "اككليسيا" معناها "جماعة"، والكنيسة - بحسب الإنجيل - هى "جسد المسيح"، إذ يقول معلمنا بولس:
- "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجَسَدُ الْمَسِيحِ وَأَعْضَاؤُهُ أَفْرَادًا" (1كو 27:12).
- "فَإِنَّهُ كَمَا فِى جَسَدٍ وَاحِدٍ لَنَا أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ وَلَكِنْ لَيْسَ جَمِيعُ الأَعْضَاءِ لَهَا عَمَلٌ وَاحِدٌ. هَكَذَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ: جَسَدٌ وَاحِدٌ فِى الْمَسِيحِ وَأَعْضَاءٌ بَعْضًا لِبَعْضٍ كُلُّ وَاحِدٍ لِلآخَرِ" (رو 4:12-5). وقد كان الآباء الرسل "يَتَنَاوَلُونَ الطَّعَامَ بِابْتِهَاجٍ وَبَسَاطَةِ قَلْبٍ مُسَبِّحِينَ اللهَ" (أع 46:2-47).. وهنا نجد مزيجًا متجانسًا من: التناول، والتسبيح، والأغابى، وحياة الشركة.

2- المجتمعون فى بيت الله المدشن : الكنيسة هى "بيت الله، وباب السماء" والهيكل هو Piervei أى المكان الذى صار سماءً، لوجود رب المجد فيه، مع ملائكته وقديسيه، وجماعة المؤمنين به.

- "كَانَ الرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ" (أع 47:2).. ويقصد الجماعة، وممكن المكان أيضًا، "إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّتِى فِى بَيْتِكَ" (فل 2:1).
- "أُخَبِّرُ بِاسْمِكَ إِخْوَتِى، وَفِى وَسَطِ الْكَنِيسَةِ (الجماعة) أُسَبِّحُكَ" (عب 12:2).

وكان الآباء الرسل يجتمعون مع المؤمنين كل يوم أحد، وفى كل وقت، للصلاة والتعليم.. ومكان الإجتماع يسمى كنيسة.

ونحن ندشن الكنائس بالميرون، ليحل روح الله فى هذا المكان. فندشن المذابح والأوانى والستور والأيقونات.. عملاً بقول الكتاب: "بِبَيْتِكَ تَلِيقُ الْقَدَاسَةُ يَارَبُّ"
(مز 5:93). فى حالة عدم وجود كنيسة يمكن إقامة القداس باستخدام "المذبح المتنقل"،إذ يتم استخدام اللوح المدشن.. فالمهم هو حضور الله، بروحه القدوس، وسط شعبه المبارك.

3- بقيادة الإكليروس : حيث قال السيد المسيح بفمه الطاهر: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِى السَّمَاءِ وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً
فِى السَّمَاءِ" (مت 15:18-18)، (أنظر أيضًا مت 18:16).

كذلك حينما أسس الرب سر الكهنوت، بعد قيامته المجيدة، "نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: ﭐقْبَلُوا
الرُّوحَ الْقُدُسَ. مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ" (يو 22:20-23). قال ذلك ثم أرسلهم للخدمة، قائلاً: "كَمَا أَرْسَلَنِى الآبُ أُرْسِلُكُمْ أَنَا" (يو 21:20).
وفى الكنيسة - بحسب نص الإنجيل المقدس - ثلاثة رتب: (الأسقفية - القسيسية - الشماسية).

4- بحضور الملائكة والقديسين : فنحن حينما نملأ الكنيسة بالأيقونات، وبخاصة المدشنة، نعبر عن حضور الملائكة والقديسين، فى بيت الله، بيت الملائكة، كلما اجتمعنا للتسبيح والتناول. ولذلك يصلى الكاهن قائلاً: "الذى يقف أمامه الملائكة ورؤساء الملائكة".. "أنت هو القيام حولك الشاروبيم الممتلئون أعينًا، والسيرافيم ذو الستة أجنحة، يسبحون على الدوام، بغير سكوت قائلين: قدوس قدوس قدوس، رب الصباؤوت، السماء والأرض مملؤتان من مجدك الأقدس"
(القداس الباسيلى).
5- حول جسد الرب ودمه : وهنا الإفخارستيا أساس الكنيسة كلها، جسد ودم عمانوئيل إلهنا، رأسها وعريسها، عملاً بقول الرب يسوع: "أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ" (يو 35:6،48) فلذلك من يتناول بإستعداد روحى وجسدى ينال بركات كثيرة.

 فما هى بركات التناول؟

1- الثبات فى المسيح : فالإنسان ضعيف، لو قاوم الخطية والشيطان، والعالم بمفرده، ولكنه حين يتناول "يَثْبُتْ فِىَّ وَأَنَا فِيهِ" (يو 56:6)، وهكذا يصير قويًا بنعمة الله، وينتصر على الشر والشرير.
2- يتحد بالسمائيين : فالملائكة والقديسون يحضرون معنا القداس كما ذكرنا سابقًا - وفى حضورهم صلاة وشفاعة من أجلنا أمام الله، كما أنهم قدوة لنا فى حياتهم الطاهرة والأمينة، وبالتناول نحس أننا واحد مع السمائيين، فكلنا أعضاء فى جسد المسيح.. الكنيسة.
3- نتحد ببعضنا البعض : فنحن نتناول من قربان واحد وكأس واحدة، كما قال معلمنا بولس الرسول: "كَأْسُ الْبَرَكَةِ الَّتِى نُبَارِكُهَا، أَلَيْسَتْ هِىَ شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ الَّذِى نَكْسِرُهُ، أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ الْمَسِيحِ؟ فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ، جَسَدٌ وَاحِدٌ، لأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِى الْخُبْزِ الْوَاحِدِ" (1كو 16:10-17).
4- ننال الغفران : حين يرفع الكاهن الصينية ويهتف قائلاً: يُعطى عنا.. "خلاصًا وغفرانًا للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه".. فما دمنا قدمنا توبة حقيقية، واعترافًا أمينًا، تغفر لنا خطايانا بالتناول من جسد الرب ودمه.
5- ننال الخلاص : وهو ليس مجرد الغفران، ولكن التطهير والتقديس من الخطية، والتخلص من آثارها وعبوديتها، وقبول سكنى رب المجد فى داخلنا، لكى نثبت فيه وهو فينا.
6- الحياة الأبدية : إذ قال الرب: "مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِى وَيَشْرَبُ دَمِى فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِى الْيَوْمِ الأَخِيرِ" (يو 54:6). فهذا هو الخبز الحىّ النازل من السماء، الواهب حياة للعالم.
7- التبشير بموت الرب : فكلما أكلنا من هذا الخبز الحىّ وشربنا من هذه الكأس، نبشر بموت الرب، ونذكره إلى أن يجئ. هذه هى رسالتنا فى العالم. وحينما يسكن فينا المسيح، نخرج أقوياء بنعمته، "لنبشر بموت الرب وقيامته، إلى أن يجئ".

لهذا فالإفخارستيا هى قمة العبادة، إذ فيها يتحد المؤمن مع:

1- الرب يسوع نفسه : "يَثْبُتْ فِىَّ وَأَنَا فِيهِ" (يو 56:6).
2- القديسون : "لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا" (يو 21:17).
3- المؤمنون : "فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ جَسَدٌ وَاحِدٌ" (1كو 17:10).

ثانيًا: كنيستى.. روح

الروح.. هى العنصر الأساسى فى الحياة الروحية، لأنها ببساطة العنصر الذى يصلنا بالله، ويمتد بنا عبر آفاق المحدودات، عابرًا بنا إلى ما وراء الزمن والمادة والموت،
إلى عالم الروح والأبدية والخلود. إنه العنصر الذى من خلاله نؤمن بالله.

وهناك فرق بين روح الله القدوس، والروح الإنسانية التى فينا، وإن كان روح الله يعمل فينا من خلال هذه الروح الإنسانية، التى وضعها الله فى داخلنا كوسيلة ترابط بين الله والإنسان.. فهناك فرق بين الإنسان الطبيعى والإنسان الروحى، فالإنسان الطبيعى مولود بالخطية، وطبيعته فاسدة، ولهذا فمن العسير بل من المستحيل أن يطرق عالم الروحيات ويتعرف على: الله، الملائكة، الخلود، القديسين.. إلخ. أما الإنسان الروحى الذى:

- تجدد بالمعمودية. - تقدس بالميرون.
- اتحد بالرب فى التناول. - جدد عهوده بالتوبة.

فهذا الإنسان يستطيع بنعمة الله العاملة فيه، وبروح الله الساكن فيه، أن يرتاد العالم الروحانى، ويكون له فكر المسيح له المجد.

من هنا نقول أن الروح هى العنصر الأول فى الحياة المسيحية، التى نسميها دائمًا الحياة الروحية، تقديرًا لعنصر الروح الإنسانية فى اتصالها بالله.. فالحياة الروحية معناها: أن يخضع الجسد للروح، وتخضع الروح الإنسانية للروح القدس.

عمل الروح القدس فى الكنيسة

- "مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ" (رؤ 7:2).
- "لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ" (رو 14:8). "اَلرُّوحُ هُوَ الَّذِى يُحْيِى" (يو 63:6)، فهُوَ "رُوحِ الْحَيَاةِ" (رو 2:8، حز 9:37-10).

بعد صعود الرب إلى السماء حل الروح القدس المعزى يوم الخمسين على التلاميذ، فأسسوا الكنيسة المقدسة، وانتشرت الكرازة المسيحية فى كل العالم وبنيت الكنائس.

 الروح القدس وعمله فى الأسرار الكنسية :

أسرار الكنيسة السبعة أعمال مقدسة ومنح إلهية، بها ننال نعمًا غير منظورة تحت أعراض مادية منظورة بفعل الروح القدس فى تقديس السر، ونقل فاعليته للمؤمن بالمسيح. فهذه الأسرار مؤسسة من الله، لتكون واسطة لنيل المؤمنين فيض النعمة، بعمل الروح القدس فى الانسان، وذلك واضح من الكتاب المقدس:

أ- سر المعمودية : به نُولد ميلادًا ثانيًا بتغطيسنا فى الماء ثلاث دفعات على اسم الثالوث القدوس، فهو باب الأسرار لأنه بمثابة الدخول إلى ملكوت النعمة "ﭐلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ، لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللَّهِ" (يو 5:3).. وبه ننال التبرير وغفران الخطايا (أع 38:2)، وننال التبنى (غل 26:3-27)، ونعتق من الخطية الجدية وننال ميراث الحياة الأبدية (مر 16:16، 1بط 3:1).
ب- سر الميرون : هو سر مقدس به ننال ختم موهبة الروح القدس "وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَكُمْ مَسْحَةٌ مِنَ الْقُدُّوسِ وَتَعْلَمُونَ كُلَّ شَىْءٍ" (1يو 20:2). (36 رشمًا) لتقديس الإنسان = 3 مجموعات: ال‍ 12 الأولى لتقديس الفكر والحواس والقلب والإرادة، وال‍ 12 الثانية لتقديس الأعمال، وال‍ 12 الثالثة لتقديس الخطوات.
ج- سر الشكر (الإفخارستيا) : وعد المخلص بتأسيسه لاتحاد المؤمنين به، وثباتهم
فيه "مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِى وَيَشْرَبُ دَمِى، فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِى الْيَوْمِ الأَخِيرِ
لأَنَّ جَسَدِى مَأْكَلٌ حَقٌّ وَدَمِى مَشْرَبٌ حَقٌّ. مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِى وَيَشْرَبْ دَمِى، يَثْبُتْ فِىَّ وَأَنَا فِيهِ" (يو 53:6-56).
د- سر التوبة والاعتراف : هو رجوع الخاطئ إلى الله ومصالحته معه باعترافه بخطاياه، أمام الأب الكاهن "مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ" (يو 23:20)، "إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ" (1يو 8:1-9).
ه‍- سر مسحة المرضى : به يمسح الأب الكاهن المريض ويطلب له النعمة الإلهية لشفائه من أمراضه الروحية والجسدية "أَمَرِيضٌ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ؟ فَلْيَدْعُ شُيُوخَ الْكَنِيسَة،ِ فَيُصَلُّوا عَلَيْهِ وَيَدْهَنُوهُ بِزَيْتٍ بِاسْمِ الرَّبِّ، وَصَلاَةُ الإِيمَانِ تَشْفِى الْمَرِيضَ وَالرَّبُّ يُقِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ خَطِيَّةً تُغْفَرُ لَهْ" (يع 14:5-15).
و- سر الزيجة : الزواج هو ناموس طبيعى أسسه الله أولاً منذ البدء مع (آدم وحواء)، وقد بارك السيد المسيح الزواج بحضوره فى عرس قانا الجليل، ورفعه إلى مقام السر وقدسه وقال عن الزوجين: "وَيَكُونُ الاِثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. فَالَّذِى جَمَعَهُ اللَّهُ لاَ يُفَرِّقُهُ إِنْسَانٌ" (مت 5:19-6). وأيضًا "هذا السر عظيم" (أف 32:5)، وفى هذا السر يحل الروح القدس على العروسين ويجعلهما جسدًا واحدًا.
ز- سر الكهنوت : "فَلِهَذَا السَّبَبِ أُذَكِّرُكَ أَنْ تُضْرِمَ أَيْضًا مَوْهِبَةَ اللهِ الَّتِى فِيكَ ب
ِوَضْعِ يَدَىَّ" (2تى 6:1). فالروح القدس يحل على المرشح للكهنوت بوضع يد الأسقف عليه فيعطيه نعمة الكهنوت ومواهبه "نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: أقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ" (يو 22:20).

شروط اتمام السر:

أ- مادة ملائمة للسر كالماء للمعمودية، والخبز وعصير الكرمة لسر الشكر، والزيت للميرون.. إلخ.
ب- كاهن قانونى موضوعة عليه اليد.

 ج- استدعاء الروح القدس بالصلوات الطقسية.

الخلاصة : أن روح الله القدوس يقوم بأعمال جوهرية كثيرة فى حياة المؤمن، منها أنه:
- يبكته على خطاياه ليتوب عنها (يو 8:16).
- يرشده إلى طريق الخلاص (يو 13:16، يو 26:14).
- يذكره بكلمات الرب فى المواقف المختلفة (يو 26:14).
- يقدسه، ويطهره من أدناس الخطيئة (أع 3:2).
- يثمر فيه ثمار روح الله القدوس: "مَحَبَّةٌ، فَرَحٌ، سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ، لُطْفٌ، صَلاَحٌ، إِيمَانٌ، وَدَاعَةٌ، تَعَفُّفٌ" (غل 22:5). - ويعطى مواهب للخدمة (1بط 10:4).

لذلك وصية الكتاب المقدس لنا أن:

1- "لاَ تُحْزِنُوا رُوحَ اللهِ" (أف 30:4): فإن أكثر ما يُحزن روح الله القدوس هو الرجوع إلى أعمال الإنسان العتيق، لذلك يوصينا الرسول ألا نُحزن روح الله القدوس.
2- "لاَ تُطْفِئُوا الرُّوحَ" (1تس 19:5): بل تكن لكم الحواس المدربة لطاعة صوت الله داخلكم.
3- "اسْلُكُوا بِالرُّوحِ" (غل 16:5): أى أن نجعل إرادتنا وفق إرادة الله ولا نسلك فى أعمال الجسد.
4- "امْتَلِئُوا بِالرُّوحِ" (أف 18:5): فيض الروح القدس داخلنا، هو تفجر وتدفق الينابيع، فتجرى أنهار ماء حىّ (يو 38:7)، هو فعل داخلى يقوم به روح الله داخل قلوبنا، وهو أن تلتهب قلوبنا بمحبة المسيح، وتشتعل أرواحنا بحرارة العبادة بالروح والحق.

ثالثًا: كنيستى.. حياة

حياتنا الروحية وخدمتنا للآخرين، كترجمة لعضويتنا فى جسد المسيح (الكنيسة)، وعمل الروح القدس فينا.

1- فى حياتى الخاصة

لقد رسمت لنا الكنيسة المقدسة وسائط كثيرة للنمو الروحى، والحياة الكنسية نذكر منها:

أ- الاعتراف : الأمين، المنتظم، بإستعداد، وبوقفة توبة صادقة أمام الله، قبل الإلتقاء بالأب الكاهن، وبثقة كاملة أن روح الله هو العامل فى هذا السر المبارك.. مع تنفيذ أمين ومخلص لإرشادات وتدريبات الأب الروحى، فيأخذ المعترف حِلاً وحَلا.
ب- الصلاة : هى الحبل السرى الذى يربطنا بالله، والذى من خلاله نتغذى روحيًا.. فالإفخارستيا هى قمة هذه الصلوات: إذ فيها نتحد بالرب، وبالقديسين، وببعضنا البعض.. وفيها نلتقى كجماعة مقدسة تصلى من أجل: الراقدين، والمرضى، والمسافرين، والقرابين، والكنيسة بقياداتها، وشعبها، الأرملة، واليتيم، والغريب، والضيف، والرئيس، والجند، والأهوية، والزروع، والمياه، والثمار.. كما أن فيها نلتقى بكافة أنواع الصلوات: الشكر، والإسترحام، والطلبات، والتسبيح.
- كما نصلى بالأجبية: عصارة داود النبى وآخرين، ومادة متسعة لإحتياجات النفس، وإتحادًا بمواقف هامة فى حياة رب المجد والكنيسة: من القيامة (فى باكر)، إلى حلول الروح القدس (فى الثالثة)، إلى صلب المسيح (فى السادسة)، وموته (فى التاسعة)، وإنزاله (فى الغروب)، ودفنه (فى الثانية عشرة)، وانتظار مجيئه الثانى (فى نصف الليل).
- والصلوات السهمية مثل: صلاة: (يا ربى يسوع المسيح ابن الله ارحمنى أنا الخاطئ).. التى أوصى بها القديس الأنبا أنطونيوس تلاميذه.
- وصلوات حرة تلقائية: نتحدث فيها مع الرب يسوع عن كل شئ: الندم على الخطيئة، والعزم على تركها، والرجاء به، ومحبتنا له، وشكرنا على عطاياه الروحية والزمنية، ذاكرين الآخرين بحب وأمانة، ليعمل الله معهم وفيهم.

ج- الكتاب المقدس : الخبز المشبع، الذى يُفرح وينمى النفس، وهو النور الذى يضئ لنا السبيل "سِرَاجٌ لِرِجْلِى كَلاَمُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِى" (مز 115:119)، "لأَنَّ الْوَصِيَّةَ مِصْبَاحٌ وَالشَّرِيعَةَ نُورٌ" (أم 23:6).

لذلك كان داود النبى يلهج بكلمات الله نهارًا وليلاً "فَتْحُ كَلاَمِكَ يُنِيرُ يُعَقِّلُ الْجُهَّالَ" (مز 130:119)، لذلك يحرص أولاد الله على قراءة الكتاب المقدس لمعرفة فكر الله.

د- القراءات الروحية : التى تحفظ العقل، وتملأه من دسم المعرفة الروحية، والفهم والتمييز، وتطهره من الأفكار والشهوات الآثمة، وتقّوم العقل فلا يطوف هنا وهناك "اتعب نفسك فى القراءة، فهى تخلصك من النجاسة"، "كثرة القراءة، تقّوم العقل الطواف".. هكذا تعلمنا من آباء الكنيسة.
ه‍- الاجتماعات الروحية : ففيها نلتقى كأعضاء فى الجماعة المقدسة، نصلى، ونسبح، ونرنم، ونتأمل فى كلام الله، وندخل فى جو من التعليم الروحى المشبع، والسليم، والصلوات المعزية، والشركة المفرحة.. ألم يوصينا الرسول قائلاً: "أَيُّهَا الإِخْوَةُ؟
مَتَى اجْتَمَعْتُمْ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ لَهُ مَزْمُورٌ لَهُ تَعْلِيمٌ لَهُ لِسَانٌ لَهُ إِعْلاَنٌ لَهُ تَرْجَمَةٌ: فَلْيَكُنْ كُلُّ شَىْءٍ لِلْبُنْيَانِ" (1كو 26:14). "غَيْرَ تَارِكِينَ اجْتِمَاعَنَا كَمَا لِقَوْمٍ عَادَةٌ" (عب 25:10).
و- الصوم والنسكيات : ففيها ينضبط الجسد لتنطلق الروح. فالمطانية (تغيير الاتجاه) سجود وقيام ورفع اليدين، والسجود، وقرع الصدر، ونمو للروح.. الصوم ضبط لطلبات الجسد، وإشباع للروح.. إسهام من الجسد مع الروح، فى وحدة مقدسة، وعبادة مقبولة.
هذه بعض وسائط النمو الروحى، يجب أن يهتم بها المؤمن فى حياته الخاصة، ليتحرك من التوبة إلى النمو.. فالتوبة حياة مستمرة، والنمو أيضًا حياة دائمة.. والأمران يتواليان، ويتوازيان، ويتداخلان، فلا توبة دون نمو، ولا نمو دون توبة مستمرة.

2- فى خدمتنا للآخرين

إن دور الكنيسة فى حياة أبنائها، تجهزهم للخدمة بالروح القدس، ثم ترسلهم للخدمة،
كل واحد حسب موهبته، واستعداده، وتدريبه.. سواء فى حقل التربية الكنسية، أو فى خدمة الإفتقاد لربطهم بالكنيسة والسيد المسيح، فهذا هدف جوهرى وهام، ليس فقط لخدمة الآخرين، كأعضاء فى جسد واحد.. ولكنها فائدة لمن يخدم أيضًا.

خطر - إذن - أن تخلو حياتنا من خدمة الآخرين (الأسرة - الكنيسة - المجتمع)، فمجالات الخدمة بالكنيسة متعددة:

- التعليم، الوعظ، العطاء، التدبير (خدمات الإدارة والتنظيم والقيادة).
- أعمال الرحمة (خدمات أحباء الرب الفقراء، والمرضى، والمسنين، والمكفوفين، والصم والبكم، والقدرات الخاصة، وخدمة البعيدين، ومن ليس لهم أحد يذكرهم.. الخ).
- أعمال المحبة (علاقات المحبة مع كل المواطنين).
- العبادة (خدمة الصلوات والتسبيح). - المشاركة (مع الفرحين والباكين).
- القديسون (خدمة المحتاجين والفقراء). - الغرباء (رعايتهم والاهتمام باحتياجاتهم).
وبهذه الخدمة يشهد المؤمن للسيد المسيح فى المجتمع، فهو الذى أوصانا أن نكون بحياتنا:
- نورًا.. ينتشر فى كل مكان، طاردًا فلول الظلمة.
- وملحًا.. يعطى حفظًا للعالم من الفساد.. إذ يذوب دون أن يضيع.
- ورائحة زكية.. تنتشر فى تلقائية ويسر.. أثناء حركة الحياة اليومية.
- وخميرة حية.. تخمر العجين كله.. بسبب البكتريا الحية الكامنة فى الخميرة.. رمزًا للحياة الروحية الكامنة فينا بالسيد المسيح.
- ورسالة مقروءة.. "فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هَكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ لِكَىْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِى فِى السَّمَاوَاتِ" (مت 16:5).

إن الخدمة تبنينا نحن، وتساعدنا فى خدمة الآخرين.. فى الأسرة والكنيسة والمجتمع.

ونعمة الرب تشملنا..
 

Email This Share to Facebook
Powered by Epouro | Designed by MBA Design